Thursday 3 September 2009

صور: إعلانات فلة 45

إعلانات التبغ الممنوعة في معظم الدول.. مسموحة في لبنان

غياب القوانين التي تحظرها لم يحل دون الرقابة الذاتية على تسويقها


بيروت: كارولين عاكوم
تتعامل مختلف وسائل الاعلام اللبنانية مع اعلانات أنواع التبغ، وكأنها سلعة لا تختلف عن غيرها من السلع التي تروج لها. هذه الجملة لا تصف وضع إعلام قبل عقد او اثنين، بل حالة إعلام لم يزل قائما حتى اليوم، فإعلانات التبغ تنشر في الصحف والمجلات وتبث على القنوات التلفزيونية. كان لبنان من بين الدول التي وقعت اتفاقية 17 ديسمبر (كانون الأول) 2005، ليعمل على تطبيقها تدريجيا في مهلة أقصاها عام 2008، لكن الواقع لم يشهد أي تقدم في هذا المجال، باستثناء سياسة التسويق المسؤولة، التي اعتمدتها «بعض» شركات التبغ العالمية، بشكل ذاتي، أوائل عام 2000، في ما يتعلق بحجب إعلاناتها عن شاشات التلفزة والاذاعات، والاكتفاء بالترويج عبر وسائل أخرى تتوجه مباشرة الى البالغين بشكل عام والمدخنين بشكل خاص. لا تدخل صناعة إعلانات التبغ في السوق الاعلاني اللبناني، أي ان الاعلانات لا تصنع محلياً فتزيد من التنافس والصراع بين شركات الاعلان المروجة لأنواع التبغ، باستثناء المنتجات المصنعة محليا، والتي لا تدخل في منافسة مع الشركات العالمية، اذ تستورد الحملات الاعلامية جاهزة من الشركة الأم، فتتولى شركات الاعلان اللبنانية بتوزيعها على وسائل الاعلام، بعد أن تدخل عليها بعض الاضافات، اذا احتاج الأمر، وأهمها تحذير وزارة الصحة اللبنانية في أسفل الاعلان، الشرط الوحيد الذي تفرضه الدولة. ويتلقى المشاهد اللبناني عبر المحطات التلفزيونية، في هذه الفترة، اعلانات حول أنواع محددة من أصناف الدخان وأهمها، اضافة الى أنواع تبغ النرجيلة المتعدد، سجاير «جيتان» و«غولواز» و«رويال»... التي تتولى التسويق لها في لبنان شركة «Media Direction»، في حين يبقى ترويج معظم الأنواع الأخرى، على اختلاف الشركات المصدرة لها، وأهمها الأصناف التي تنتجها شركة «فيليب موريس»، والتي توزع في السوق اللبنانية الأصناف التالية «مارلبورو، ميريت، شسترفيلد، أل أند أم، موراتي وبوند ستريت»، مقتصرا على الاعلانات في الصحف والمجلات، وبشكل كثيف وملحوظ على لوحات الطرق، اضافة الى الاعلان المباشر مع الزبون في المحلات التجارية الكبرى. ويقول جيلبير زوفيكيان، مدير القسم الاقتصادي في شركة ( AVM)، إحدى مؤسسات «شويري غروب» الاعلانية، المسؤولة عن تسويق الاعلانات وتوزيعها على شاشة «المؤسسة اللبنانية للارسال» (ال بي سي)، أن نسبة اعلانات التبغ التي تبث قليلة جدا مقارنة بغيرها من السلع، ويشير الى ان المعلنين اللبنانيين اتفقوا، فيما بينهم، على معاهدة غير رسمية في الثمانينات، تعهدوا بموجبها حصر إعلانات التبغ بفترة المساء، وتحديدا بعد الساعة الثامنة، وهذا ما تطبقه المحطة في بثها اعلانات هذا النوع من السلع.
ويؤكد زوفيكيان، أن اعلانات التبغ على شاشة (LBC) لا تختلف بين الفضائية والأرضية، باستثناء محطتي (LBC Europe ) و(LBC America)، حيث يمنع بث اعلانات التبغ في وسائل الاعلام في البلدان التي يصل اليها. يقول شادي فرحات، المدير المسؤول في شركة «Media Direction» لـ«الشرق الأوسط»، أن دور الشركة في لبنان يرتكز على تسلم الحملة الاعلامية المعدة في الخارج، وإضافة تحذير وزارة الصحة اللبنانية بقياس 15 % من حجم الاعلان، ليتم بعد ذلك الاتفاق مع الوسائل الاعلامية على تسويقها في برامج وأوقات محددة، «ونبذل جهدنا ليبث (الاعلان) بعد الساعة الثامنة مساء، وبالتأكيد ألا يدخل ضمن برامج الأطفال».
وعن شرعية عرض إعلانات التبغ في وسائل الاعلام، يقول فرحات: «لا يمكن لأحد منع بثها طالما لا وجود لقانون واضح في هذا الاطار، لذا لا تستطيع الدول التي تمنع عرض هذه الاعلانات ان تحاسب المحطة التي لا قانون يمنعها من ذلك». ويضيف «تمتنع بعض وسائل الاعلام، وخصوصا بعض المجلات اللبنانية، عن الاعلان عن التبغ وفقا لمبدأ انساني وقرار خاص اختارت التقيد به».
وكانت لجنة الصحة في البرلمان اللبناني، برئاسة النائب الدكتور عاطف مجدلاني، قد أعدت عام 2003، مشروع قانون، تناول في أحد بنوده الرئيسية، مسألة حظر الترويج للتبغ ولمواد التدخين من خلال الاعلانات في وسائل الاعلام، على أن يتم العمل بذلك تدريجيا وصولا الى منعها تماما.
اما في وسائل الاعلام المرئي والمسموع، فقد اقترح مشروع القانون، منع اعلانات التبغ قبل منتصف الليل، بدءا من بداية عام 2005، على أن يمنع بثها نهائيا في بداية عام 2006، وكذلك منع رعاية شركات التبغ للنشاطات الرياضية والثقافية في بداية عام 2008.
أربع سنوات مرت على اقتراح القانون، وأكثر من سنة ونصف السنة على موافقة لبنان على اتفاقية منظمة الصحة العالمية، وما يزال عسيرا مخاض انتقاله الى حيز التنفيذ، وتطبيق بنوده بشكل سليم، في ظل المحاصصة والمصالح السياسية والتجارية المستشرية في لبنان، وذلك وفق ما يتم تداوله في كواليس السوق الاعلاني اللبناني.
ويعزو النائب عاطف مجدلاني عدم السير قدما في هذا المشروع، الى الأوضاع السياسية المتردية التي يعيشها لبنان منذ فبراير (شباط) 2005، ويقول: «بعدما وافقت لجنة الصحة النيابية على بنود الاقتراح بالإجماع، أحيل على لجنة الادارة والعدل كي تتخذ القرار المناسب بشأنه، ويتم العمل فيما بعد على مراحل التطبيق، لكن وضع المجلس النيابي الحالي وعدم قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة حالا دون المضي قدما في هذا المشروع».
لكن مستشار منظمة الصحة العالمية عن الأمراض غير الانتقالية في لبنان، الدكتور جورج سعادة يقول: «إن مشكلة عدم السير جديا في مشروع القرار، تكمن في محاربة شركات الاعلان لعمل المنظمة في لبنان بشكل قاس ومنظم. وهي تضغط أكثر من شركات التبغ نفسها، اذ تعمل ادارات الشركات، التي تسوّق للتبغ، على اتباع سلوك الطريق غير السليم، والتي تهدف بالدرجة الأولى الى الربح المادي». ويضيف: «شركات الاعلان في لبنان مرتبطة مباشرة بالسياسة، وبالتالي اتخاذ أي قرار لا يمكن أن يكون بمعزل عن هذه المصالح، كما تدخل بعض محطات التلفزة اللبنانية في خفايا هذه اللعبة، وهذا ما لمسناه عندما اتفقنا مع ادارة احدى المحطات للظهور في برنامج عن أضرار التدخين، وعادت وتراجعت عن قرارها بعد ممانعة صاحب شركة الاعلان التي تخص المحطة بأكبر نسبة من اعلاناتها». وفي ظل عدم اتخاذ لبنان أي تدابير على أرض الواقع لها علاقة بموافقته على اتفاقية المنظمة، يوضح سعادة أن المنظمة ستدعو في يونيو (حزيران) المقبل، الدول التي وقعت الاتفاقية، الى الاجتماع لمناقشة النتائج التي توصلت اليها، وما هو مؤكد، أن لبنان سيحصل على تحذير من المنظمة نظرا لعدم قيامه بأي تحرك يذكر، من شأنه أن يساهم في التقليل من نسبة المصابين اللبنانيين بأمراض سرطانية. وفي غياب أي احصاءات دقيقة من وزارة الصحة اللبنانية، بينت الدراسات التي أجرتها منظمة الصحة في لبنان، وجود 10 آلاف حالة سرطانية، منها 40 % سببها المباشر إدمان التدخين. تؤيد مديرة شؤون شركة «فيليب موريس» في لبنان، نادين أنطون، تنظيم عمليات ترويج منتجات التبغ، التي تعترف بخطرها على صحة الانسان بشكل عام وعلى صحة الأطفال اذا ما تناولوها بشكل خاص. وتقول: «شركتنا مستعدة للتقيد بالقوانين اللبنانية اذا وجدت، لكن غياب أي شيء واضح في هذا الإطار، جعل الشركة تتجه الى تعميم سياستها التسويقية وتوحيدها في كل البلدان التي توزع فيها منتوجاتها. لذا عمدنا منذ عام 2000، الى إيقاف الاعلانات على شاشات التلفزة والاذاعات، بسبب العجز عن منع الأولاد من متابعتها، وحصرنا عملية الترويج في الصحافة المكتوبة، بعد التأكد من أن نسبة البالغين من القراء تفوق الـ 75 %، شرط أن لا توضع على الغلاف درءا لخطر وقوعها في أيدي الأطفال. وفي صالات السينما، نحرص على أن يكون بثها بعد العاشرة مساء وحجبها عن الأفلام المخصصة للأطفال. وفي ما يتعلق بلوحات إعلانات الطرق، التي يخصص لها نسبة مرتفعة من ميزانية الحملة، نتأكد قبل اتخاذ قرار وضعها، من بعدها عن أي مدرسة قريبة مسافة لا تقل عن مائة متر». وتضيف أنطون: «الترويج لأصناف فيليب موريس لا يتوجه الى غير المدخنين، انما الهدف هو حث المدخنين على اختيار أصناف الشركة». ولا تنفي أنطون هدف الشركة التجاري، لذا تؤكد أن تكثيف الحملات الاعلامية التي تستورد من الشركة المصدر وتروج كما هي، يأتي على شكل الاعلان المباشر في المحلات التجارية الكبرى. وتشير الى أن الشركة تقوم، في هذه المرحلة، بحملة توعية من مضار التدخين بالتعاون مع 60 مركزا تجاريا في لبنان، تحمل عنوان «معا في المسؤولية»، اذ عمدت هذه المراكز على تخصيص مساحات معينة لبيع الدخان، والى اعتماد سياسة عدم بيع الأصناف لمن هو دون سن الـ 18.
ويوافق الخبير الاعلامي والنقيب الأسبق لوكالات الدعاية والإعلان في لبنان رمزي النجار، الدكتور جورج سعادة، حول سبب عدم تنظيم اعلان التدخين، ويقول: «هناك رغبة في تهميش الموضوع، ولا تشكل الأوضاع السياسية إلا حجة لا تبرر عدم اقراره». ويضيف «موضوع التبغ حيّر كل المشرّعين، فهو لا يصنف ممنوعات أو مخدرات، لذا فلا يمكن حظر الاعلان عنه بشكل جذري بل يجب تنظيمه بطريقة شرعية، والإعلان عن الدخان شبيه بحالة إدمانه، اذ لا يصح إيقافه بصورة مفاجئة، خصوصا أن صحة الاقتصاد والتجارة متعلقة مباشرة بالقطاع الاعلاني، وفي لبنان بشكل خاص يعتبر التدخين آفة اجتماعية وركيزة أساسية يقوم عليها الاقتصاد اللبناني في الوقت عينه».
وفي حين يشجع النجار وضع أطر قانونية لاعلانات التدخين تحترم المنظومة الأخلاقية، يؤكد أن الدراسات العلمية شكّكت في تأثير إعلانات الدخان المباشر على المتلقي، أي لا تهدف الى تحفيزه على التدخين، بل تأثيرها يظهر بشكل أكبر على المدخنين لتغيير الصنف وليس أكثر.
* «ممنوع الترويج» > يتصور البعض أن حملات حظر الإعلانات التجارية لبيع السجائر ظاهرة حديثة العهد، لكنها في الواقع تعود لأكثر من 42 سنة خلت. فقد طالبت الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا عام 1962، بوضع تشريعات تقيد دعايات بيع السجائر. وعام 1965، نفذ الحظر على شاشات التلفزيون، مع أن دعايات السيجار والسجائر اللف، لم تحظر قانونياً إلا بحلول عام 1991، بل استمرت الدعاية لها على اللوحات الإعلانية الكبيرة وفي المجلات حتى عام 2003. وفي المقابل، بينما أخذت التشريعات البريطانية تضيق الخناق دعائياً في وسائل الإعلام، وجدت شركات صناعة التبغ والسجائر لها منفذاً جديداً، هو الرعاية والترويج في مجال الرياضة، ولاسيما في رياضة سباقات سيارات الفورمولا ـ 1 والسنوكر (نوع من ألعاب البلياردو). بيد أن هذا المنفذ أغلق بدوره عام 2002.
في الولايات المتحدة، طبق حظر الدعاية التجارية للسجائر والتبغ على شاشات التلفزيون وفي الإذاعات منذ عام 1991، مع العلم أن الضغط بهذا الاتجاه، كان قد شهد تنامياً مطرداً قبل سنوات عدة؛ ففي أواخر عقد الستينات من القرن الماضي، قررت مجلات عدة بينها «ريدرز دايجست» والـ«نيويوركر» والـ«ساترداي ريفيو»، الإحجام عن نشر الدعايات من منطلقات مبدئية. ثم أعلنت صحيفة الـ«بوسطن غلوب» خلال شهر مايو (أيار) 1969 أنها قررت حظر إعلانات صناعات التبغ «في ضوء تراكم الأدلة الطبية على أن تدخين السجائر يهدد الصحة». الشركات الأميركية الصانعة، على غرار مثيلاتها في بريطانيا، وجدت لها سبيلا بديلا لترويج منتجاتها والوصول إلى المستهلكين، تمثل في استغلال قطاعات كشخصيات الصور المتحركة المحبوبة، خصوصاً، عند فئات المستهلك الأصغر سناً. ولكن عام 1991 نشرت الجمعية الطبية الأميركية حصيلة دراسة بينت أن الأطفال في سن الخامسة أو سن السادسة باتوا أكثر قدرة على تمييز شخصية «جو كاميل»، شعار سجائر كاميل، من قدرتهم على التعرف على شخصيتي «ميكي ماوس» و«فرد فلينتستون» الكارتونيتين. وتبين أن ماركة كاميل وسعت رقعة جذبها في فئة الفتيان والمراهقين من أقل من 1 % قبل عام 1988 إلى أكثر من 13 % عام 1993. غير أن هذه الإطلالة أخذت تنحسر عام 2003، عندما قرر ناشرو المجلات وقف نشر إعلانات السجائر في الأعداد المخصصة لمكتبات المدارس، في أربع مجلات واسعة الانتشار، هي «تايم» و«نيوزويك» و«بيبول» و«سبورتس إيللوسترايتد»، مع أنه بقيت لهذه الشركات فسحة كافية للترويج في قطاعات النشر الأخرى بجانب اللوحات الإعلانية. الجدير بالذكر، هنا، أن بريطانيا لم تكن أول دولة بادرت إلى حظر الدعايات التجارية للسجائر ومنتجات التبغ الأخرى؛ فقد سبقتها نيوزيلندا عام 1963 إلى منع كل الإعلانات التلفزيونية والإذاعية، ثم مدت المنع إلى اللوحات الإعلانية ودور السينما بحلول عام 1973، تاركة فقط الإعلانات في المطبوعات حتى عام 1990. وفي حين اعتمدت النرويج حظراً كاملا على كل أشكال الدعاية عام 1985، تلتها فنلندا بإجراء مماثل عام 1977. وحقاً، آتى منطق الحظر أكله، إذ أشار تقرير أعده الاتحاد الأوروبي عام 1997، إلى أن حظر الدعاية والإعلان لمنتجات التبغ بمختلف أصنافها، أثر جدياً على حجم الاستهلاك؛ ففي فرنسا، على سبيل المثال، طبق الحظر عام 1993، وأشار مسح إحصائي إلى أن الاستهلاك انخفض بنسبة 14 %. لكن بالرغم من هذا، تواصل الشركات الصانعة ترويج منتجاتها مستخدمة استراتيجية تسمى بلغة السوق «مطاطية الماركة».
* بالاشتراك مع وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»


1



2





3





4




5




6





7






8





9






10




No comments: